الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (5- 6): {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}تقتضي هذه الآية أن يعقوب عليه السلام كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن يشعل بذلك غل صدورهم، فيعملوا الحيلة على هلاكه، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف- الذي يأتي ذكره- يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت. ووقع في كتاب الطبري لابن زيد: أنهم كانوا أنبياء؛ وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنياوي وعن عقوق الآباء وتعريض مؤمن للهلاك والتوافر في قتله.ثم أعلمه: {إن الشيطان للإنسان عدو مبين} أي هو يدخلهم في ذلك ويحضهم عليه.وأمال الكسائي {رؤياك}، والرؤيا حيث وقعت وروي عنه: أنه لم يمل: {رؤياك} في هذه السورة وأمال الرؤيا حيث وقعت، وقرأ {روياك} بغير همز- وهي لغة أهل الحجاز- ولم يملها الباقون حيث وقعت.والرؤيا مصدر كثر وقوعه على هذا المتخيل في النوم حتى جرى مجرى الأسماء كما فعلوا في الدر في قولهم: لله درك فخرجا من حكم عمل المصادر وكسروها رؤى بمنزلة ظلم، والمصادر في أكثر الأمر لا تكسر.وقوله: {وكذلك يجتبيك} الآية، ف {يجتبيك} معناه: يختارك ويصطفيك، ومنه: جبيت الماء في الحوض، ومنه: جباية المال، وقوله: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} قال مجاهد والسدي: هي عبارة الرؤيا. وقال الحسن: هي عواقب الأمور. وقيل: هي عامة لذلك وغيره من المغيبات. وقوله: {ويتم نعمته} يريد النبوءة وما انضاف إليها من سائر النعم. وقوله: {آل يعقوب} يريد في هذا الموضع الأولاد والقرابة التي هي من نسله، أي يجعل فيهم النبوءة، ويروى أن ذلك إنما علمه يعقوب من دعوة إسحاق له حين تشبه له بعيصو- والقصة كاملة في كتاب النقاش لكني اختصرتها لأنه لم ينبل ألفاظها وما أظنه انتزعها إلا من كتب بني إسرائيل، فإنها قصة مشهورة عندهم، وباقي هذه الآية بيّن. والنعمة على يوسف كانت تخليصه من السجن وعصمته والملك الذي نال؛ وعلى {إبراهيم} هي اتخاذه خليلاً؛ وعلى {إسحاق} فديته بالذبح العظيم، مضافاً ذلك كله إلى النبوءة. و{عليم حكيم} مناسبتان لهذا الوعد..تفسير الآيات (7- 10): {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}قرأ الجمهور {آيات} بالجمع، وقرأ ابن كثير- وحده- آية بالإفراد، وهي قراءة مجاهد وشبل وأهل مكة؛ فالأولى: على معنى أن كل حال من أحواله آية فجمعها. والثانية: على أنه بجملته آية، وإن تفصل بالمعنى، ووزن آية فعلة أو فعلة أو فاعلة على الخلاف فيه، وذكر الزجّاج: أن في غير مصحف عثمان: {عبرة للسائلين}؛ قال أبو حاتم: هو في مصحف أبيّ بن كعب.وقوله: {للسائلين} يقتضي حضاً ما على تعلم هذه الأنباء، لأنه إنما المراد آية للناس، فوصفهم بالسؤال إذ كل واحد ينبغي أن يسأل عن مثل هذه القصص، إذ هي مقر العبر والاتعاظ. ويصح أيضاً أن يصف الناس بالسؤال من حيث كان سبب نزول السورة سؤال سائل كما روي. وقوله: {وأخوة} يريدون به: يامين- وهو أصغر من يوسف- ويقال له: بنيامين، وقيل: كان شقيق يوسف وكانت أمهما ماتت، ويدل على أنهما شقيقان تخصيص الأخوة لهما بـ {أخوة} وهي دلالة غير قاطعة وكان حب يعقوب ليوسف عليه السلام ويامين لصغرهما وموت أمهما، وهذا من حب الصغير هي فطرة البشر؛ وقد قيل لابنة الحسن: أي بنيك أحب إليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يفيق.وقولهم: {ونحن عصبة} أي نحن جماعة تضر وتنفع، وتحمي وتخذل، أي لنا كانت تنبغي المحبة والمراعاة. والعصبة في اللغة: الجماعة، قيل: من عشرة إلى خمسة عشر، وقيل: من عشرة إلى أربعين، وقال الزجاج: العشرة ونحوهم، وفي الزهراوي: الثلاثة: نفر- فإذا زادوا فهم: رهط إلى التسعة، فإذا زادوا فهم: عصبة، ولا يقال لأقل من عشرة: عصبة. وقولهم: {لفي ضلال مبين} أي لفي اختلاف وخطأ في محبة يوسف وأخيه، وهذا هو معنى الضلال، وإنما يصغر قدره أو يعظم بحسب الشيء الذي فيه يقع الائتلاف. و{مبين} معناه: يظهر للمتأمل.وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة {مبين اقتلوا} بكسر التنوين في الوصل لالتقاء ساكن التنوين والقاف، وقرأ نافع وابن كثير والكسائي {مبين اقتلوا} بكسر النون وضم إتباعاً لضمة التاء ومراعاة لها.وقوله: {اقتلوا يوسف} الآية، كانت هذه مقالة بعضهم. {أو اطرحوه} معناه: أبعدوه، ومنه قول عروة بن الورد:والنوى: الطروح البعيدة، و{أرضاً} مفعول ثان بإسقاط حرف الجر، لأن طرح- لا يتعدى إلى مفعولين إلا كذلك. وقالت فرقة: هو نصب على الظرف- وذلك خطأ لأن الظرف ينبغي أن يكون مبهماً وهذه هنا ليست كذلك بل هي أرض مقيدة بأنها بعيدة أو قاصية ونحو ذلك فزال بذلك إبهامها، ومعلوم أن يوسف لم يخل من الكون في أرض، فبين أنها أرض بعيدة غير التي هو فيها قريب من أبيه.وقوله: {يخل لكم وجه أبيكم} استعارة، أي إذا فقد يوسف رجعت محبته إليكم، ونحو هذا قول العربي حين أحبته أمه لما قتل إخوته وكانت قبل لا تحبه: الثكل أرأمها، أي عطفها عليه، والضمير في {بعده} عائد على يوسف أو قتله أو طرحه، و{صالحين} قال السدي ومقاتل بن سليمان: إنهم أرادوا صلاح الحال عند أبيهم، وهذا يشبه أن يكون قصدهم في تلك الحال ولم يكونوا حينئذ أنبياء، وقال الجمهور: {صالحين} معناه بالتوبة، وهذا هو الأظهر من اللفظ، وحالهم أيضاً تعطيه، لأنهم مؤمنون بثوا على عظيمة وعللوا أنفسهم بالتوبة؛ والقائل منهم قيل: هو روبيل- أسنهم- قاله قتادة وابن إسحاق، وقيل: يهوذا أحلمهم، وقيل شمعون أشجعهم، قاله مجاهد، وهذا عطف منه على أخيه لا محالة لما أراد الله من إنفاذ قضائه. والغيابة ما غاب عنك من الأماكن أو غيب عنك شيئاً آخر.وقرأ الجمهور: {غيابة الجب}، وقرأ نافع وحده {غيابات الجب}، وقرأ الأعرج {غيّابات الجب} بشد الياء، قال أبو الفتح: هو اسم جاء على فعالة، كان أبو علي يلحقه بما ذكر سيبويه من الفياد ونحوه، ووجدت أنا من ذلك: التيار للموج والفجار للخزف.قال القاضي أبو محمد: وفي شبه غيابة بهذه الأمثلة نظر لأن غيابة جارية على فعل.وقرأ الحسن: {في غيبة الجب} على وزن فعلة، وكذلك خطت في مصحف أبي بن كعب، ومن هذه اللفظة قول الشاعر- وهو المنخل- و{الجب} البئر التي لم تطو لأنها جبت من الأرض فقط.وقرأ الجمهور: {يلتقطه بعض} بالياء من تحت على لفظ بعض، وقرأ الحسن البصري ومجاهد وقتادة وأبو رجاء {تلتقطه} بالتاء، وهذا من حيث أضيف {البعض} إلى {السيارة} فاستفاد منها تأنيث العلاقة، ومن هذا قول الشاعر: [الوافر] ومنه قول الآخر: [الطويل] وقول كعب: [الكامل] حين أراد بنزار القبيلة، وأمثلة هذا كثير.وروي أن جماعة من الأعراب التقطت يوسف عليه السلام: و{السيارة} جمع سيار. وهو بناء للمبالغة، وقيل في هذا {الجب}: أنه بئر بيت المقدس. وقيل: غيره: وقيل: لم يكن حيث طرحوه ماء ولكن أخرجه الله فيه حتى قصده الناس للاستقاء: وقيل: بل كان فيه ماء كثير يغرق يوسف فنشز حجر من أسفل الجب حتى ثبت عليه يوسف، وروي أنهم رموه بحبل فتماسك بيديه حتى ربطوا يديه ونزعوا قميصه ورموه حينئذ، وهموا برضخه بالحجارة فمنعهم أخوهم المشير بطرحه من ذلك. .تفسير الآيات (11- 15): {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)}الآية الأولى تقتضي أن أباهم قد كان علم منهم إرادتهم الخبيثة في جهة يوسف. وهذه أنهم علموا هم منه بعلمه ذلك.وقرأ الزهري وأبو جعفر {لا تأمنا} بالإدغام دون إشمام. ورواها الحلواني عن قالون، وقرأ السبعة بالإشمام للضم، وقرأ طلحة بن مصرف {لا تأمننا} وقرأ ابن وثاب والأعمش {لا تيمنا} بكسر تاء العلامة.و{غداً} ظرف أصله: غدو، فلزم اليوم كله، وبقي الغدو اسمين لأول النهار، وقال النضر ابن شميل: ما بين الفجر إلى الإسفار يقال فيه غدوة. وبكرة.وقرأ أبو عمرو وأبو عامر: {نرتعْ ونلعبْ} بالنون فيهما وإسكان العين والباء، و{نرتعْ}- على هذا- من الرتوع وهي الإقامة في الخصب والمرعى في أكل وشرب، ومنه قول الغضبان بن القبعثري: القيد والرتعة وقلة التعتعة. ومنه قول الشاعر: [الوافر]ولعبهم هذا دخل في اللعب المباح كاللعب بالخيل والرمي ونحوه، فلا وصم عليهم في ذلك، وليس باللعب الذي هو ضد الحق وقرين اللهو، وقيل لأبي عمرو بن العلاء: كيف يقولون: نلعب وهم أنبياء قال: لم يكونوا حينئذ أنبياء.وقرأ ابن كثير: {نرتعِ ونلعبْ} بالنون فيهما، وبكسر وجزم الباء، وقد روي عنه {ويلعب} بالياء، وهي قراءة جعفر بن محمد. و{نرتعِ}- على هذا- من رعاية الإبل: وقال مجاهد هي من المراعاة: أي يراعي بعضنا بعضاً ويحرسه، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {يرتع ويلعب} بإسناد ذلك كله إلى يوسف، وقرأ نافع {يرتعِ} بالياء فيهما وكسر العين وجزم الباء، ف {يرتعِ}- على هذا- من رعي الإبل؛ قال ابن زيد: المعنى: يتدرب في الرعي وحفظ المال؛ ومن الارتعاء قول الأعشى: قال أبو علي: وقراءة ابن كثير- {نرتع} بالنون و{يلعب} بالياء- فنزعها حسن، لإسناد النظر في المال والرعاية إليهم، واللعب إلى يوسف لصباه.وقرأ العلاء بن سيابة، {يرتع ويلعبُ} برفع الباء على القطع. وقرأ مجاهد وقتادة: {نُرتِع} بضم النون وكسر التاء و{نلعبْ} بالنون والجزم. وقرأ ابن كثير- في بعض الروايات عنه- {نرتعي} بإثبات الياء- وهي ضعيفة لا تجوز إلا في الشعر كما قال الشاعر: [الوافر] وقرأ أبو رجاء {يُرتعْ} بضم الياء وجزم العين و{يلعبْ} بالياء والجزم.وعللوا طلبه والخروج به بما يمكن أن يستهوي يوسف لصباه من الرتوع واللعب والنشاط.وقوله تعالى: {إني ليحزنني} الآية.قرأ عاصم وابن كثير والحسن والأعرج وعيسى وأبو عمرو وابن محيصن {ليَحزُنني} بفتح الياء وضم الزاي، قال أبو حاتم: وقرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي والإدغام، ورواية روش عن نافع: بيان النونين مع ضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، وأن الأولى فاعلة والثانية مفعولة ب {أخاف}. وقرأ الكسائي وحده: {الذيب} دون همز وقرأ الباقون بالهمز- وهو الأصل منه جمعهم إياه على ذؤبان، ومنه تذاءبت الريح والذئاب إذا أتت من هاهنا وها هنا. وروى رش عن نافع: {الذيب} بغير همز، وقال نصر: سمعت أبا عمرو لا يهمز، قال: وأهل الحجاز يهمزون.وإنما خاف يعقوب الذئب دون سواه، وخصصه لأنه كان الحيوان العادي المنبت في القطر، وروي أن يعقوب كان رأى في منامه ذئباً يشتد على يوسف.قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي ضعيف لأن يعقوب لو رأى ذلك لكان وحياً، فإما أن يخرج على وجهه وذلك لم يكن، وإما أن يعرف يعقوب بمعرفته لعبارة مثال هذا المرئي، فكان يتشكاه بعينه، اللهم إلا أن يكون قوله: {أخاف أن يأكله الذئب} بمعنى أخاف أن يصيبه مثل ما رأيت من أمر الذئب- وهذا بعيد- وكذلك يقول الربيع بن ضبع: [المنسرح] إنما خصصه لأنه كان حيوان قطره العادي، ويحتمل أن يخصصه يعقوب عليه السلام لصغر يوسف: أي أخاف عليه هذا الحقير فما فوقه، وكذلك خصصه الربيع لحقارته وضعفه في الحيوان، وباقي الآية بيّن.وقوله تعالى: {فلما ذهبوا به} الآية، أسند الطبري إلى السدي قال: ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة، فلما برزوا في البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه به فجعل لا يرى منهم رحيماً، فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء، فقال لهم يهوذا: ألم تعطوني موثقاً أن لا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجب، فجعلوا يدلونه فيتعلق بالشفير فربطوا يديه ونزعوا قميصه. فقال: يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجب، فقالوا: ادعُ الشمس والقمر والكواكب تؤنسك؛ فدلوه حتى إذا بلغ نصف الجب ألقوه إرادة أن يموت، فكان في الجب ماء فسقط فيه ثم قام على صخرة يبكي، فنادوه، فظن أنهم رحموه، فأجابهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة، فمنعهم يهوذا، وكان يأتيه بالطعام.وجواب {لما} محذوف تقديره: {فلما ذهبوا به وأجمعوا} أجمعوا، هذا مذهب الخليل وسيبويه وهو نص لهما في قول امرئ القيس: [الطويل] ومثل هذا قول الله تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين} [الصافات: 103]- وقال بعض النحاة- في مثل هذا-: إن الواو زائدة- وقوله مردود لأنه ليس في القرآن شيء زائد لغير معنى.و{أجمعوا} معناه: عزموا واتفق رأيهم عليه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم- في المسافر- «ما لم يجمع مكثاً»، على أن إجماع الواحد قد ينفرد بمعنى العزم والشروع، ويتصور ذلك في إجماع إخوة يوسف وفي سائر الجماعات- وقد يجيء إجماع الجماعة فيما لا عزم فيه ولا شروع ولا يتصور ذلك في إجماع الواحد.والضمير في {إليه} عائد إلى يوسف. وقيل على يعقوب، والأول أصح وأكثر، ويحتمل أن يكون الوحي حينئذ إلى يوسف برسول، ويحتمل أن يكون بإلهام أو بنوم- وكل ذلك قد قيل- وقال الحسن: أعطاه الله النبوءة وهو في الجب.قال القاضي أبو محمد: وهذا بعيد.وقرأ الجمهور: {لتنبئنهم} بالتاء، وفي بعض مصاحف البصرة بالياء، وقرأ سلام بالنون، وهذا كله في العلامة التي تلي اللام.وقوله: {وهم لا يشعرون} قال ابن جريج: وقت التنبيه إنك يوسف. وقال قتادة: لا يشعرون بوحينا إليه. قال القاضي أبو محمد: فيكون قوله: {وهم لا يشعرون}- على التأويل الأول- مما أوحي إليه- وعلى القول الثاني- خبر لمحمد صلى الله عليه وسلم.
|